فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

{وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السماء}.
المعنى أن الله أهلكهم بصيحة صاحها جبريل، ولم يحتج في تعذيبهم إلى إنزال جند من السماء، لأنهم أهون من ذلك، وقيل المعنى ما أنزل الله على قومه ملائكة رسلًا كما قالت قريش: {لولا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [للفرقان: 7] ولفظ الجند أليق بالمعنى الأول، وكذلك ذكر الصيحة بعد ذلك {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} ما كنا لننزل جندًا من السماء علىأحد {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} أي ساكنون لا يتحركون ولا ينطقون.
{ياحسرة عَلَى العباد} نداء للحسرة كأنه قال: يا حسرة احضري فهذا وقتك، وهذا التفجع عليهم استعارة في معنى التهويل والتعظيم لما فعلوا من استهزائهم بالرسل، ويحتمل أن يكون من كلام الملائكة، أو المؤمنين من الناس، وقيل: المعنى يا حسرة العباد على أنفسهم.
{أَلَمْ يَرَوْاْ} الضمير لقريش أو للعباد على الاطلاق، والرؤية هنا بمعنى العلم {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} قرئ لما بالتخفيف وهي لام التأكيد دخلت على {مَا} المزيدة وإن على هذا مخففة من الثقيلة، وقرئ بالتشديد وهي بمعنى إلا، وإن على هذا نافية.
{وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} على ثمرة أي ليأكلوا من الثمر {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} بالحرث والزراعة والغراسة، وقيل {مَا} نافية وقرئ {مَا عَمِلَتْ} من غيرها وما على معطوفة {الأزواج} يعني أصناف المخلوقات ثم فسرها بقوله: {مِمَّا تُنبِتُ الأرض} وما بعده، فمن في المواضع الثلاثة للبيان {وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} يعني أشياء لا يعلمها بنو آدم كقوله: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 8].
{نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} أن نجرده منه وهي استعارة.
{والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} أحد لحد موقت تنتهي إليه من فلكها، وهي نهاية جريها إلى أن ترجع في المنقلبين الشتاء والصيف، وقيل: مستقرها: وقوفها كل وقت زوال، بدليل وقوف الظل حينئذ، وقيل: مستقرها يوم القيامة حين تكوّر، وفي الحديث: «مستقرها تحت العرش تسجد فيه كل ليلة بعد غروبها» وهذا أصح الأقوال لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي في البخاري عن أبي ذر، وقرئ {لا مستقر لها} أي لا تستقر عن جريها.
{والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} قرأ نافع بالرفع على الابتداء أو عطف على {الليل} وآخرون بالنصب على إضمار فعل، ولابد في {قَدَّرْنَاهُ} من حذف تقديره: قدرنا سيره منازل، ومنازل القمر ثمانية وعشرون ينزل القمر كل ليلة واحدة منها أول الشهر، ثم يستتر في آخر الشهر ليلة أو ليلتين، وقال الزمخشري: وهذه المنازل هن مواضع النجوم؛ وهي السرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة الصرفة، العوى، السماك، الغفر، الزباني، الأكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد بلع، سعد الذابح، سعد السعود، سعد الأخبية، فرغ الدلو المقدم، فرغ الدلو المؤخر، بطن الحوت {حتى عَادَ كالعرجون القديم} العرجون هو غصن النخلة شبه القمر به إذا انتهى في نقصانه، والتشبيه في ثلاثة أوصاف: وهي الرقة، والانحناء، والصفرة، ووصفه بالقديم لأنه حينئذ تكون له هذه الأوصاف.
{لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر} المعنى لا يمكن الشمس أن تجتمع مع القمر بالليل فتمحو نوره، وهكذا قال بعضهم، ويحتمل أن يريد أن سير الشمس في الفلك بطيء، فإنها تقطع الفلك في سنة وسير القمر سريع، فإنه يقطع الفلك في شهر، والبطيء لا يدرك السريع {وَلاَ اليل سَابِقُ النهار} يعني أن كل واحد منهما جعل الله له وقتًا موقتًا، واحدًا معلومًا لا يتعدّاه، فلا يأتي الليل حتى ينفصل النهار، كما لا يأتي النهار حتى ينفصل الليل، ويحتمل أن يريد أن آية الليل وهي القمر لا تسبق آية النهار وهي الشمس: أي لا تجتمع معه فيكون المعنى كالذي قيل في قوله: {لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر} فحصل من ذلك أن الشمس لا تجتمع مع القمر وأن القمر لا يجتمع مع الشمس {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ذكر في [الأنبياء: 23].
{وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون} معنى المشحون: المملوء، والفلك هنا يحتمل أن يريد به جنس السفن، أو سفينة نوح عليه السلام، وأما الذرية فقيل: إنه يعني الآباء الذين حملهم الله في سفينة نوح عليه السلام، وسمى الآباء ذرية لأنها تناسلت منهم، وأنكر ابن عطية ذلك، وقال: إنه يعني النساء، وهذا بعيد، والأظهر أنه أراد بالفُلك جنس السفن، فيعني جنس بن آدم، وإنما خص ذريتهم بالذكر لأنه أبلغ في الامتنان عليهم، ولأن فيه إشارة إلى حمل أعقابهم إلى يوم القيامة، وإن أراد بالفلك سفينة نوح فيعني بالذرية من كان في السفينة، وسماهم ذرية، لأنهم ذرية آدم ونوح، فالضمير في ذريتهم على هذا النوع بني آدم كأنه يقول الذرية منهم.
{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} إن أراد بالفلك سفينة نوح فيعني بقوله: {مِّن مِّثْلِهِ} سائر السفن التي يركبها سائر الناس، وإن أراد بالفلك جنس السفن فيعني بقوله: {مِّن مِّثْلِهِ} الإبل وسائر المركوبات، فتكون المماثلة على هذا في أنه مركوب لا غير، والأول أظهر، لقوله: {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ} ولا يتصور هذا في المركوبات غير السفن {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ} أي لا مغيث لهم ولا منفذ لهم من الغرق {إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا} قال الكسائي: نصب رحمة على الاستثناء كأنه قال: إلا أن نرحمهم، وقال الزجاج: نصب رحمة على المفعول من أجله كأنه قال: إلا لأجل رحمتنا إياهم {وَمَتَاعًا إلى حِينٍ} يعني آجالهم.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} الضمير لقريش، وجواب إذا محذوف تقديره: أعرضوا يدل عليه {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} والمراد ب {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} ذنوبهم المتقدّمة والمتأخرة، وقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} عذاب الأمم المتقدمة، {وَمَا خَلْفَهُمْ} عذاب الآخرة.
{قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ الله أَطْعَمَهُ} كان النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يحضون على الصدقات وإطعام المساكين فيجيبهم الكفار بهذا الجواب، وفي معناه قولان: أحدهما أنهم قالوا كيف نطعم المساكين ولو شاء الله أن يطعمهم لأطعمهم، ومن حرمهم الله نحن نحرمهم، وهذا كقولهم: كن مع الله على المدبر، والآخر أن قولهم رد على المؤمنين، وذلك أن المؤمنين كانوا يقولون: إن الأمور كلها بيد الله، فكأن الكفار يقولون لهم: لو كان كما تزعمون لأطعم الله هؤلاء فما بالكم تطلبون إطعامهم منا، ومقصودهم في الوجهين احتجاج لبخلهم، ومنعهم الصدقات واستهزاء بمن حضهم على الصدقات {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} يحتمل أن يكون من بقية كلامهم خطابًا للمؤمنين، أون يكون من كلام الله خطابًا للكافرين.
{وَيَقُولُونَ متى هَذَا الوعد} يعنون يوم القيامة أن نزول الأولى في الصور وهي نفخة الصعق.
{تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} أي يتكلمون في أمروهم وأصل {يَخِصِّمُونَ} يختصمون، ثم آدغم، وقرئ بفتح الخاء وبكسرها واختلاس حركتها.
{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} أي لا يقدرون أن يوصوا بما لهم وما عليهم لسرعة الأمر {وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} أي يستطيعون أن يرجعوا إلى منازلهم لسرعة الأمر.
{وَنُفِخَ فِي الصور فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} هذه النفخة الثانية وهي نفخة القيام من القبور، والأجداث هي القبور، وينسلون يسرعون المشيء، وقيل: يخرجون.
{قَالُواْ ياويلنا} الويل منادى أو مصدر {مَن بَعَثَنَا مِن} المرقد يحتمل أن يكون اسم مصدر أو اسم مكان، قال أبيّ بن كعب ومجاهد: إن البشر ينامون نومة قبل الحشر، قال ابن عطية هذا غير صحيح الإسناد، وإنما الوجه في معنى قولهم: {مِن مَّرْقَدِنَا} أنها استعارة وتشبيه به يعني أن قبورهم شبهت بالمضاجع، لكونهم فيها على هيئة الرقاد، وإن لم يكن رقاد في الحقيقة {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} هذا مبتدأ وما بعده خبر وقيل: إن هذا صفة لمرقدنا وما وعد الرحمن مبتدأ محذوف الخبر وهذا ضعيف، ويحتمل أن يكون هذا الكلام من بقية كلامهم، أو من كلام الله أو الملائكة أو المؤمنين يقولونها للكفار على وجه التقريع.
{إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} يعني النفخة الثانية وهي نفخة القيام.
{إِنَّ أَصْحَابَ الجنة اليوم فِي شُغُلٍ} قرأ نافع وغيره {شُغُلٍ} بسكون الغين وقرأ عاصم وآخرون بضم الغين، عام في الاشتغال باللذات {فَاكِهُونَ} قرئ بالألف ومعناه أصحاب فاكهة، وبغير ألف وهو في الفكاهة بمعنى الراحة والسرور {فِي ظِلاَلٍ} جمع ظل، وبالضم جمع ظلة، {عَلَى الأرآئك} جمع أريكة وهي السرير {وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} أي ما يتمنون، وقيل: معناه أن ما يدعومن به يأتيهم {سَلاَمٌ} مبتدأ، وقيل بدل مما يدعون {قَوْلًا} مصدر مؤكد، والمعنى: أن السلام عليهم قول من الله بواسطة الملك أو بغير واسطة.
{وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون} أي انفردوا عن المؤمنين، وكونوا على حدة. اهـ.

.قال النسفي:

{وَمَا أَنزَلْنَا} ما نافيه {على قَوْمِهِ} قوم حبيب {مِن بَعْدِهِ} أي من بعد قتله أو رفعه {مِن جُندٍ مِّنَ السماء} لتعذيبهم {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} وما كان يصح في حكمتنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب جندًا من السماء، وذلك لأن الله تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض لحكمة اقتضت ذلك {إِن كَانَتْ} الأخذة أو العقوبة {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} صاح جبريل عليه السلام صيحة واحدة {فَإِذَا هُمْ خامدون} ميتون كما تخمد النار.
والمعنى أن الله كفى أمرهم بصيحة ملك ولم ينزل لإهلاكهم جندًا من جنود السماء كما فعل يوم بدر والخندق.
{ياحسرة عَلَى العباد مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} الحسرة شدة الندم وهذا نداء للحسرة عليهم كأنما قيل لها تعالي يا حسرة فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضري فيها وهي حال استهزائهم بالرسل، والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون ويتلهف على حالهم المتلهفون، أو هم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين {أَلَمْ يَرَوْاْ} ألم يعلموا {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون} كم نصب ب {أَهْلَكْنَا} و{يَرَوْاْ} معلق عن العمل في كم لأن كم لا يعمل فيها عامل قبلها كانت للاستفهام أو للخبر، لأن أصلها الاستفهام إلا أن معناه نافذ في الجملة.
وقوله: {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} بدل من {كَمْ أَهْلَكْنَا} على المعنى لا على اللفظ تقديره: ألم يروا كثرة إهلا كنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} {لَّمًّا} بالتشديد: شامي وعاصم وحمزة بمعنى إلا و أن نافية.
وغيرهم بالتخفيف على أن ما صلة للتأكيد و أن مخففة من الثقيلة وهي متلقاة باللام لا محالة.
والتنوين في {كُلٌّ} عوض من المضاف إليه، والمعنى إن كلهم محشورون مجموعون محضرون للحساب أو معذبون.
وإنما أخبر عن {كُلٌّ} بجميع لأن كلا يفيد معنى الإحاطة والجميع فعيل بمعنى مفعول ومعناه الاجتماع يعني أن المحشر يجمعهم {وَءَايَةٌ لَّهُمُ} مبتدأ وخبر أي وعلامة تدل على أن الله يبعث الموتى إحياء الأرض الميتة، ويجوز أن يرتفع {ءَايَة} بالابتداء و{لَهُمْ} صفتها، وخبرها {الأرض الميتة} اليابسة.
وبالتشديد: مدني {أحييناها} بالمطر وهو استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية وكذلك {نَسْلَخُ} ويجوز أن توصف الأرض والليل بالفعل لأنه أريد بهما جنسان مطلقان لا أرض وليل بأعيانهما فعوملا معاملة النكرات في وصفهما بالأفعال ونحوه:
ولقد أمر على اللئيم يسبني

{وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا} أريد به الجنس {فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} قدم الظرف ليدل على أن الحب هو الشيء الذي يتعلق به معظم العيش ويقوم بالارتزاق منه صلاح الإنس، وإذا قل جاء القحط ووقع الضر وإذا فقد حضر الهلاك ونزل البلاء {وَجَعَلْنَا فِيهَا} في الأرض {جنات} بساتين {مِّن نَّخِيلٍ وأعناب وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ العيون} من زائدة عند الأخفش وعند غيره المفعول محذوف تقديره ما ينتفعون به {لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} والضمير لله تعالى أي ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر.
{مِن ثُمُره} حمزة وعلي {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} أي ومما عملته أيديهم من الغرس والسقي والتلقيح وغير ذلك من الأعمال إلى أن يبلغ الثمر منتهاه، يعني أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه وفيه آثار من كد بني آدم وأصله من ثمرنا كما قال: {وَجَعَلْنَا} {وَفَجَّرْنَا} فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريق الالتفات.
ويجوز أن يرجع الضمير إلى النخيل وتترك الأعناب غير مرجوع إليها لأنه علم أنها في حكم النخيل مما علق به من أكل ثمره، ويجوز أن يراد من ثمر المذكور وهو الجنات كما قال رؤبة.
فيها خطوط من بياض وبلق ** كأنه في الجلد توليع البهق

فقيل له فقال: أردت كأن ذاك.
{وما عملت} كوفي غير حفص وهي في مصاحف أهل الكوفة كذلك، وفي مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام مع الضمير.
وقيل: ما نافية على أن الثمر خلق الله ولم تعمله أيدي الناس ولا يقدرون عليه {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} استبطاء وحث على شكر النعمة.
{سبحان الذي خَلَق الأزواج} الأصناف {كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض} من النخيل والشجر والزرع والثمر {وَمِنْ أَنفُسِهِمْ} الأولاد ذكورًا وإناثًا {وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} ومن أزواج لم يطلعهم الله عليها ولا توصلوا إلى معرفتها، ففي الأودية والبحار أشياء لا يعلمها الناس.
{وَءَايَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} نخرج منه النهار إخراجًا لا يبقى معه شيء من ضوء النهار، أو ننزع عنه الضوء نزع القميص الأبيض فيعرى نفس الزمان كشخص زنجي أسود لأن أصل ما بين السماء والأرض من الهواء الظلمة فاكتسى بعضه ضوء الشمس كبيت مظلم أسرج فيه فإذا غاب السراج أظلم {فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} داخلون في الظلام {والشمس تَجْرِى} وآية لهم الشمس تجري {لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} لحد لها موقت مقدر تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة، شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لحد لها من مسيرها كل يوم في مرائي عيوننا وهو المغرب، أو لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا {ذلك} الجري على ذلك التقدير والحساب الدقيق {تَقْدِيرُ العزيز} الغالب بقدرته على كل مقدور {العليم} بكل معلوم {والقمر} نصب بفعل يفسره {قدرناه} وبالرفع مكي ونافع وأبو عمرو وسهل على الابتداء والخبر قدرناه أو على وآية لهم القمر {مَنَازِلَ} وهي ثمانية وعشرون منزلًا ينزل القمر كل ليلة وفي واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستوٍ يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين، ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص الشهر.
ولا بد في {قدرناه مَنَازِلَ} من تقدير مضاف لأنه لا معنى لتقدير نفس القمر منازل أي قدرنا نوره فيزيد وينقص، أو قدرنا مسيره منازل فيكون ظرفًا فإذا كان في آخر منازله دق واستقوس {حتى عَادَ كالعرجون} هو عود الشمراخ إذا يبس واعوج ووزنه فعلون من الانعراج وهو الانعطاف {القديم} العتيق المحول وإذا قدم دق وانحنى واصفر فشبه القمر به من ثلاثة أوجه.
{لاَ الشمس يَنبَغِى لَهَا} أي لا يتسهل لها ولا يصح ولا يستقيم {أَن تدْرِكَ القمر} فتجتمع معه في وقت واحد وتداخله في سلطانه فتطمس نوره لأن لكل واحد من النيرين سلطانًا على حياله، فسلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل {وَلاَ الليل سَابِقُ النهار} ولا يسبق الليل النهار أي آية الليل آية النهار وهما النيران، ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن تقوم القيامة فيجمع الله بين الشمس والقمر وتطلع الشمس من مغربها {وَكُلٌّ} التنوين فيه عوض من المضاف إليه أي وكلهم والضمير للشموس والأقمار {فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.